فصل: فصل ذكر فيه القسم الثاني من أقسام الشهادات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل ذكر فيه القسم الثاني من أقسام الشهادات:

فقال:
ثَانِيَةٌ تُوجِبُ حَقاً مَعْ قَسَمْ ** في المالِ أو ما آلَ لِلْمالِ تَؤَمْ

(ثانية) مبتدأ سوغه الوصف أي شهادة ثانية (توجب) بضم التاء وكسر الجيم (حقاً) مفعول والجملة خبر (مع قسم) بسكون العين يتعلق بتوجب أي توجب هي أي الشهادة مع القسم من المدعي الحق المدعى به (في المال) يتعلق بتؤم (أو ما آل للمال) معطوف على ما قبله (تؤم) أي تقصد بضم التاء وفتح الهمزة مبني للمفعول حال من فاعل توجب وقوله: أو ما آل للمال أي إليه أي كالأجل والكفالة والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ وجراحة وأداء كتابة وإيصاء بتصرف فيه أي المال، أو بأنه حكم له به قاله (خ). ومعنى الأخير أن من حكم له القاضي بمال ثُمَّ أراد طلبه في غير محل الحكم وعنده شاهد واحد أو امرأتان على حكم القاضي فإنه يحلف ويستحق على المشهور ومقابله ضعيف، وإن شهره ابن الحاجب وفهم منه أن ما ليس بمال ولا يؤول إليه لا يثبت بشاهد أو امرأتين مع اليمين. ويرد عليه ما فيه القصاص من جراح العمد فإنه يثبت بما ذكر. وأجيب: بأن هذا استحسان والقياس خلافه، وظاهر قوله في المال أنه يثبت بما ذكر، ولو أدى لغير المال وهو كذلك كشهادة من ذكر بأن الأمة قد أدت نجوم الكتابة أو أن ابنها أو زوجها قد اشتراها فتؤدي إلى العتق في الأولين وإلى الفراق في الثالث كما مرّ، وكذا لو شهد من ذكر باستحقاق حدّ قذف فإن الحد يسقط عن قاذفه وأحرى في الذي يؤول للمال كشهادة من ذكر بدين على رجل وقد أعتق عبداً لا يملك غيره، فإن العتق يرد ويرجع العبد إلى الملك، واختلف هل يحلف المشهود له مع شاهده قبل الإعذار أو حتى يعذر للمطلوب فيه لئلا تذهب يمينه باطلاً وهو الصحيح؟ قولان: ما قاله أبو الحسن في كتاب الجنايات. قال: بذلك وقعت الفتوى بسؤال أتى من سبتة. اهـ.
ونقله ابن رحال في شرحه وقال بعده: وكذا يمين الاستحقاق فإن هذه العلة جارية فيه لأن المستحق من يده ربما يخرج ببينة المستحق فتذهب يمينه باطلاً. اهـ.
وقوله: بيمين الاستحقاق نحوه في المعيار عن بعضهم وعللوه بما مرّ وهو خلاف قول الناظم الآتي وفي سواها قبل الإعذار بحق الخ، وإذا فرعنا على الصحيح فإنما ذلك ابتداء فإذا وقع مضى فمن استحق دابة مثلاً وأتى بها إلى بلده وأثبتها وحلفه قاضي بلده يمين الاستحقاق فإنها تجزئه ويعذر للمستحق منه في البينة إن طلب ذلك فإن عجز أو لم يطلب القدح اكتفى بتلك اليمين، وكذا يقال في اليمين مع الشاهد والله أعلم.
ثُمَّ إن هذا القسم الذي يوجب الحق مع القسم تحته أربعة أنواع. أشار لأولها بقوله:
شَهادَةُ العَدْلِ لمِنْ أقامَهْ ** وامْرَأتانِ قامَتا مَقَامَهْ

(شهادة العدل) الواحد مبتدأ والخبر محذوف أي من ذلك شهادة العدل إلخ.
أو وهي شهادة العدل (لمن) يتعلق بشهادة (أقامه) صلة من أي شهد له بمائة من سلف مثلاً أو إن البيع بينهما بخيار أو نحو ذلك فإنه يحلف معه ويستحق. ولثانيها بقوله: (وامرأتان) عدلتان مبتدأ خبره (قامتا مقامه) بفتح الميم ظرف من قام الثلاثي وضميره يعود على العدل، وأما بضمها فهو من أقام الرباعي أي قامتا مقامه في ثبوت الحق بشهادتهما مع اليمين، ويجوز أن يكون قوله امرأتان بألف التثنية مبتدأ حذف خبره أو خبر لمبتدأ مضمر أي من ذلك أو هي امرأتان أي شهادتهما بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والجملة بعده صفة أي من صفتهما قامتا مقامه في الاتصاف بالعدالة فهو من عطف الجمل في هذه الوجوه، وإما على نسخة الياء إن صحت فواضح عطفه على العدل فهو من عطف المفردات. وقوله: وامرأتان أي فأكثر ولو كن مائة فهن بمنزلة العدل الواحد قال في الرسالة: ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد إلخ.
قال شراحها: يريد أو أكثر من مائة وكان الغبريني يقول: إذا بلغن هذا العدد خرجن من باب الشهادة إلى باب الانتشار المحصل للعلم وانظر (ق) عند قوله: وبما ليس بمال إلخ. وظاهر قوله: توجب الحق إلخ.
أن صاحب الشاهد واليمين يحاصص مع ذي الشاهدين لأن كلاًّ من الحقين ثابت وهو كذلك، وظاهره أيضاً جوازها في المال وما يؤول إليه ولو شاركهما ما ليس بمال ولا آيل إليه كشهادة امرأتين مثلاً بدين وطلاق أو بوصية بمال وعتق فتبطل في الطلاق والعتق دون المال وهو كذلك على المشهور من أن الشهادة إذا جاز بعضها للسنة جاز منها ما أجازته دون غيره.
تنبيه:
إذا نكل عن اليمين مع شاهده فوجد ثانياً لم يعلم به بعد تحليف خصمه أو قبله ضم إلى الأول وقضى له بغير يمين وليس نكوله تكذيباً لشهادة الأول، وكذا لو نكل مع شاهده في حق لم يمنعه نكوله أن يحلف معه إذا شهد له في حق آخر ولا يرث من أقام شاهداً أو امرأتين بموت فلان وأنه وارثه مع الثابت النسب بشاهدين. نعم إن لم يكن له وارث ثابت النسب حلف من ذكر واستحق المال لا النسب، وكذا المرأة تقيم امرأتين أو شاهداً على النكاح بعد موته فإنها تحلف وتستحق على قول ابن القاسم خلافاً لما يوهمه كلام ابن فرحون في الباب الثالث من القسم الثاني من أنه لابد من عدلين مطلقاً إلا في حصر الورثة فيكفي الشاهد واليمين، لأن ذلك لا يجري إلا على قول أشهب كما ذكره هو في المحل المذكور.
فإن قلت: فما بال الشراح تواطؤوا على اعتراض قول (خ) في الاستلحاق وعدل يحلف معه ويرث ولا نسب إلخ.
تبعاً لاعتراض ابن عرفة وضيح على قول ابن الحاجب، وعدل يحلف معه ويشاركهما ولا نسب إلخ.
وهلا حملوا كلامهما على ما إذا لم يكن للميت وارث ثابت النسب؟ قلت: لما فرض ابن الحاجب المسألة في الولدين لزم مطلقاً حصول الوارث المعروف وهي متفق فيها على عدم الإرث، وبهذا أيضاً يتضح ما اعترض به الشراح قول (خ) في الاستلحاق، وبما جزم به في الشهادات من أن ما ليس بمال وهو آيل إلى المال يكفي فيه الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع اليمين، ومثله بقوله: ونكاح بعد موت أو سبقيته ولا زوجة ولا مدبر إلخ.
ثُمَّ قال في العتق: والولاء أن الشاهد بالقطع أو الشاهدين على السماع بالنسب يثبت بهما المال مع اليمين أي لتقييد ما في الشهادات والعتق والولاء بما إذا لم يكن للميت وارث ثابت النسب ولا يتأتى ذلك التقييد في كتاب الاستلحاق لفرض ابن الحاجب وقريب منه كلام (خ) المسألة مع وجود الوارث الثابت النسب، وقد علم من هذا أن الموت يثبت بالشاهد واليمين باعتبار الإرث كما مرّ عن (خ). وقد صرح ابن رحال في حاشيته بأنه المذهب وأحرى مع حصر الورثة كما مرّ عن ابن فرحون، وتقدم في الفصل قبله عن اللخمي ومفهوم قوله بعد موت أنه في الحياة لا يثبت بذلك وهو كذلك.
فإن قلت: هو في الحياة ليس بمال ولكنه يؤول للمال وهو الصداق، وحينئذ فالواجب أن يثبت بما ذكر. قلنا: هو يؤول للمال ولغيره من الزوجية ولواحقها من النسب وغيره لا للمال فقط، فلو أعملنا فيه الشاهد واليمين أدى إلى التناقض وهو الإعمال في المال وعدم الإعمال في الزوجية فتكون الشهادة عاملة غير عاملة قاله القلشاني. وتأمله مع قولهم المعروف من المذهب أن الشهادة إذ رد بعضها للسنة صحت في غيره كمن شهد في وصية بعتق ومال لرجل تبطل في العتق، وتصح في المال للرجل نقله ابن عرفة. ومثله قول (خ) والمال دون القطع في سرقة كقتل عبداً آخر إلخ.
فلم لا يقال تصح في الصداق وتبطل في الزوجية ولواحقها إلا أن يقال الصداق فرع النكاح فلا يثبت إلا حيث يثبت أصله.
تنبيه:
الحكم بالشاهد واليمين مما خالف فيه أهل الأندلس مذهب الإمام مالك كما مرّ مع نظائره. قال ابن لبابة: اختلاف العلماء وما ذهب إليه مالك في الشاهد واليمين معروف وقضاتنا لا يرون ذلك. وقال ابن القصار في اختصار مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب: كل موضع قبل فيه شاهد وامرأتان قبل فيه الشاهد واليمين عندنا، وعند الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وهو قول أبي بكر وعلي والفقهاء السبعة وشريح، وقال اللخمي وابن أبي ليلى والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز الحكم بالشاهد يعني أو المرأتين مع اليمين وإن حكم قاض بذلك نقض حكمه وهو بدعة وبذلك قال الزهري قال: والحكم به بدعة وأول من قضى به معاوية. اهـ.
فأطلق كالناظم فظاهره كان مبرزاً أم لا، وهو كذلك على المعتمد كما أطلق في ذلك (خ) وغيره، خلافاً لابن عبد الحكم في أن ذلك إنما هو في المبين العدالة لا غير.
ولثالثها بقوله:
وهاهُنا عنَّ شاهِدٍ قد يُغْني ** إرْخَاءُ سِتْرٍ واحْتيازُ رَهْنِ

(وهاهنا عن شاهد) يتعلق بقوله: (قد يغني) وقد للتحقيق لكثرة ذلك (إرخاء ستر) فاعل يغني (واحتياز رهن) معطوف على ما يليه.
واليَدُ مَعْ مُجَرَّدِ الدَّعْوى أو أنْ ** تَكَافَأتْ بَيِّنَتان فاسْتَبِنْ

(واليد) بالرفع معطوف على إرخاء (مع مجرد الدعوى) في محل نصب على الحال من اليد (أو أن) بفتح الهمزة ونقل حركتها للواو (تكافأت بينتان) الجملة في تأويل مصدر معطوف على مجرد أي اليد مع مجرد الدعوى أو تكافئ البينتين، وفي بعض النسخ وإن بكسر الهمزة والواو التي بمعنى أو فهي شرط معطوف على مع مدخول اليد، وفعله الجملة من الفعل والفاعل من تكافأت بينتان والجواب محذوف لدلالة ما تقدم عليه، إذ المعنى وإن تكافأت البينتان فاليد تغني.
(فاستبن) تتميم.
والمُدَّعى عَلَيْهِ يَأْبى القَسَما ** وفي سِوى ذلِكَ خُلْفٌ عُلِما

(والمدعى عليه) معطوف على إرخاء (يأبى القسما) حال من المعطوف المذكور، فهذه أمثلة خمسة للشاهد العرفي وهو بيان لقوله فيما مر:
والمدعى عليه من قد عضدا ** مقاله عرف أو أصل شهدا

وكأنه عقد في هذه الأبيات قول المتيطي ما نصه: وأما الشهادة التي توجب المشهود به مع اليمين فإنها أقسام أحدها: شاهد عدل أو امرأتان في الأموال، ثُمَّ قال: والثالث ما يقوم مقام الشاهد من الرهن وإرخاء الستر ونكول المدعى عليه ومعرفة العفاص والوكاء واليد مع مجرد الدعوى أو مع تكافئ البينتين وما أشبه ذلك. اهـ.
فأسقط منه المصنف معرفة العفاص والوكاء لترجيح عدم اليمين فيهما وأدخلهما مع غيرهما في قوله: (وفي سوى ذلك) يتعلق بعلما (خلف) مبتدأ (علما) خبره فأشار (خ) لأولها بقوله: وصدقت في خلوة الاهتداء وإن بمانع شرعي إلخ.
والمراد بإرخاء الستر مجرد الخلوة وإن لم يكن هناك ستر ولا غلق باب، ولذا كانت المغصوبة تحمل ببينة مصدقة كالزوجة في دعوى الوطء ولكل منهما الصداق كاملاً. ويكفي في ثبوت خلوة الاهتداء والغصب شاهد أو امرأتان مع اليمين لأنها دعوى تؤول إلى المال، وأما باعتبار العدة والاستبراء وقد أنكرت الخلوة والوطء فلابد من عدلين وباعتبار حد الغاصب لابد من أربعة. ولثانيها بقوله: ولراهن بيده رهنه، وقوله: هو كالشاهد في قدر الدين لأن معنى ما في النظم أن احتياز الرهن شاهد للراهن بدفع الدين وللمرتهن بقدر دينه، فإذا حازه الراهن بعد أن كان بيد المرتهن فهو شاهد بالدفع، وإن كان لا زال محوزاً بيد المرتهن فهو شاهد بقدر الدين، ولثالثها بقوله: وبيد ان لم ترجح بينة مقابله، فقوله: إن لم ترجح قضية سالبة لا تقتضي وجود الموضوع فتصدق بما إذا لم توجد بينة في مقابلة اليد أصلاً، وإنما هناك مجرد الدعوى أو وجدت وتكافأت مع بينة ذي اليد فيتساقطان كما أشار له بعد بقوله: وإن تعذر الترجيح سقطتا. وبقي بيد حائزه وهو المثال الرابع في النظم ولخامسها بقوله: وإن نكل في مال وحقه استحق به بيمين إن حقق فضمير نكل للمطلوب وضميراستحق وحقق للطالب وضمير به للنكول، ومفهوم إن حقق أنه في دعوى الاتهام يستحق بمجرد النكول فقول الناظم: يأبى القسما أعم من أن يكون في دعوى تحقيق أو اتهام إلا أن النكول في الاتهام كشاهدين لا كشاهد فقط، قال ابن شاس: وإذا قال المدعى عليه لا أحلف أو أنا ناكل أو قال للمدعي: احلف أنت وتمادى على الامتناع فقد تم نكوله فإذا قال بعد ذلك: أنا أحلف لم يقبل منه اه وهو معنى قول (خ) ولا يمكن منها ان نكل وقال قبله: وليس للحاكم حكمه أي حكم النكول بأن يشرح للمطلوب ما يترتب عليه، وأنه إن نكل حلف الطالب واستحق وأنه لا يقبل منه الرجوع لليمين، وظاهره كعبارة المدونة الوجوب وعليه فهو شرط في صحة الحكم كالإعذار. كما قال ابن رحال في شرحه: وهو الحق ولعل محل الوجوب إذا كان المطلوب يجهل حكمه، وربما أشعر قول الناظم: يأبى القسما أن الطالب إذا امتنع من الحلف مع شاهده فنكوله شاهد للمطلوب فيحلف ويبرأ لأن الطالب بشاهده صار في معنى المدعى عليه، ثُمَّ إن الإشارة في قول الناظم: ذلك إلخ.
راجعة لما مرّ من الأمثلة فيشمل العفاص والوكاء في اللقطة (خ) ورد بمعرفة مشدود فيه وبه وعدده بلا يمين، وقال في النكاح: وقبل دعوى الأب فقط في إعارته لها في السنة بيمين وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين ما أمكن والغمط والعقد في الحيطان، ودعوى الشبه في البياعات كقوله في اختلاف المتبايعين وصدق مشتر ادعى الأشبه وإن اختلفا في انتهاء الأجل، فالقول لمنكر التقضي. وفي قبض الثمن أو السلعة فالأصل بقاؤهما والقول لمدعي الصحة وقوله في العيوب، والقول للبائع في العيب أو قدمه إلا بشهادة عادة للمشتري وفي الوكالات، والقول له إن ادعى الإذن أو صفة له وصدق في الرد كالمودع، وفي الإجارات والقول للأجير أنه وصل كتاباً أو خولف في الصفة أو في الأجرة إن أشبه وحاز إلى غير ذلك، فالمغني عن الشاهد الحقيقي أحد أمرين الأصل أو العرف، وذلك شائع في أبواب الفقه كما ترى فقوله: خلف أي في الراجح فالشاهد العرفي وإن اختلف فيه من أصله هل هو كشاهد أو شاهدين، لكن اختلف الراجح باختلاف أفراده فكأنه يقول هذه الأمثلة الراجح فيها أنها كشاهد وفي سواها اختلف الراجح باختلاف الأفراد ففي بعضها الراجح أنه كشاهدين فلا يمين كاللقطة وانقضاء العدة والنكول في التهمة وبعد القلب كما يأتي في البيت بعده ونحو ذلك وفي بعضها أنه كشاهد فقط كالأمثلة الباقية. انظر شرح المنجور لمنهج الزقاق، ومن الأفراد التي الراجح فيها أنه كشاهدين نكول المدعي بعد نكول المدعى عليه كما قال:
ولا يَمِينَ مَعْ نُكُولِ المُدَّعي ** بَعْدُ ويُقْضى بِسُقُوطِ ما ادُّعِي

(ولا) نافية للجنس (يمين) اسمها ولو فرعه بالفاء المفيدة لكونه من أفراد قوله خلف لكان أظهر (مع نكول المدعي) خبرها (بعد) ظرف مقطوع يتعلق بمحذوف حال من نكول أي: لا يمين على المطلوب ثابتة مع نكول المدعي حال كونه كائناً بعد نكول المطلوب وعكس كلام الناظم، وهو أن ينكل المطلوب بعد نكول الطالب من الحلف مع شاهده كذلك، وهو معنى قولهم: النكول بالنكول تصديق للناكل الأول، وظاهره أنه لا يمين على المطلوب سواء قلب اليمين المتوجبة عليه على الطالب فقال له: احلف أنت ولك ما تدعيه أو لم يقلبها، ولكن قال: أنا لا أحلف أو تمادى على الامتناع فنكل الطالب أيضاً وهو كذلك، ويتم نكول المدعي هنا بما يتم به نكول المطلوب في البيت قبله، وإذا تم نكوله بما مرّ فلا يمكن منها إن أقلع عن نكوله كما مر عن (خ) وابن شاس وهو معنى قوله: (ويقضي) بالبناء للمفعول (بسقوط) نائبه (ما) مصدرية أو موصولة (ادعي) صلتها أي دعواه أو الذي ادعاه اللهم إلا أن يجد بينة بعد نكوله فلا يسقط حقه حينئذ كما في التبصرة وظاهر قوله بعد أي بعد نكوله كان مع القلب أو بدونه أن له القلب ولو كان التزم حلفها كما أفاده (ح) بقوله بخلاف مدعى عليه التزمها، ثُمَّ رجع إلخ.
وهذا قول أبي عمران، وعلله بأن التزامه لا يكون أشد من إلزام الله إياه فإن كان له أن يرد اليمين ابتداء مع إلزام الله له إياها فالتزامه هو تأكيد فقط لا يؤثر شيئاً. ورده اللقاني في حواشي ضيح بأنا لا نسلم أن الله ألزمه اليمين بل خيره بينها وبين ردها على المدعي، ومن التزمها فقد أسقط حقه من ردها. اهـ.
ونحوه لابن رحال في شرحه قائلاً لأن المذهب أن من التزم حقاً لغيره لزمه بالقول وهو قد التزم أن لا ينتقل عن اليمين إلى قلبها، والمدعي له حق في عدم القلب، فكيف يصح تعليل أبي عمران لمن أنصف، وإنما يجزم بقول ابن الكاتب القائل بأن الالتزام المذكور يسقط حقه من ردها. قال: وتعليل أبي عمران مأخوذ من لفظ البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وذلك غير مفيد لأن ذلك محمول على الخيار بلا خلاف، وأيضاً يلزم عليه أن المدعي يلزمه إقامة البينة مع أنه يجوز له تركها ويحلف المطلوب اه باختصار.
قلت: والحاصل أن المدعى عليه التزم هنا الحلف والناكل فيما مرّ التزم عدمه، وبالالتزام المذكور في الصورتين يتعلق حق الخصم إذ من التزم شيئاً فقد أسقطه حقه من غيره، فابن الكاتب طرد الحكم فيهما وأبو عمران فصل بما ترى وهو محجوج بما مرّ، ولذا درج ناظم العمل على ما لابن الكاتب فقال:
والخصم يختار اليمين ونكل ** فما لقلبها سبيل أو محل

ويؤيده ما يأتي عن التبصرة عند قوله يسوغ قلبها وما إن تقلب إلخ.
ومفهوم قول الناظم مع نكول المدعي الخ أنه إذا لم ينكل وإنما سكت سكوتاً لا يعد به ناكلاً عرفاً لم يسقط حقه ويمكن من اليمين (خ): وإن ردت على مدع وسكت زمناً فله الحلف إلخ.
ولا مفهوم لقوله: مدع، ولذا قيل لو قال ولو سكت من توجهت عليه زمناً إلخ.
تنبيه:
تقدم أن من صور النكول أن يقول: من توجهت عليه اليمين من طالب أو مطلوب احلف أنت وإنه إن أراد أن يقلع عن رضاه ويرجع إلى اليمين لا يمكن كما مرّ ويبقى النظر إذا أراد أن يقيم البينة على دعواه فأفتى ابن عتاب بأن له ذلك قال: وليس قوله رضيت بيمينك إسقاطاً لبينته بل حتى يفصح ويصرح بإسقاطها، وبه قرر الشراح قول (خ) وإن استحلفه وله بينة حاضرة أو كالجمعة يعلمها لم تسمع أي وإن حلفه بالفعل وله بينة إلخ.
وأفتى ابن رشيق بأن رضاه باليمين مع علمه بالبينة الحاضرة يوجب عدم رجوعه إليها وهو ظاهر إطلاقات الشراح عند قول (خ) في الإقرار كان حلف في غير الدعوى لأنهم قالوا: إن قال له في الدعوى: احلف وخذ فلا رجوح له، وقد ألم البرزلي في الحمالة بجميع ذلك. قلت: وهو الظاهر فما مر عن ابن الكاتب ينبغي اعتماده لأن رضاه التزام أي لأنه لما رضي باليمين أسقط حقه من البينة كما أن من قلب اليمين أسقط حقه منها كما مرّ فليس لكل منهما الرجوع إلى ما أسقط حقه منه، ولما ذكر ابن ناجي في شرح الرسالة قول المدونة إذا استحلفه وهو عالم ببينته تاركاً لها لم يكن له قيام بها قال ما نصه: إلا أن قوله تاركاً لها. قال أبو إبراهيم: سقطت في بعض المواضع فقيل: اختلاف. قلت: وعلى القول باشتراطه فهل المراد تصريحاً أو إعراضه كاف وعليه الأكثر في ذلك؟ تأويلان. حكاهما عياض. اهـ.
فنسب للأكثر مثل ما لابن رشيق، كذا وجدت بخط أبي العباس الملوي وهذا كله إذا رضي اليمين مع علمه بها، وأما إن حلفه بالفعل، وأراد القيام بالبينة بعد ذلك فالمشهور كما مرّ عن (خ) عدم القيام بها إلا إن كان لا يعلمها كما قال أيضاً: فإن نفاها واستحلفه فلا بينة إلا لعذر كنسيان إلخ.
والمشهور أيضاً أنه لا يعذر ولو مع النسيان كما مرّ قبل باب الشهادات.
ولرابع الأقسام التي توجب الحق بيمين بقوله:
وغالِبُ الظَّنَّ بِهِ الشَّهادَهْ ** بِحيْثُ لا يَصحُّ قَطْعُ عَادَهْ

(وغالب الظن) معطوف على قوله شهادة العدل (به الشهادة) مبتدأ وخبر، والجملة في محل نصب حال من غالب (بحيث) ظرف مكان يتعلق بالاستقرار في الخبر (لا يصح قطع) فاعل يصح، والجملة في محل جر بإضافة حيث (عادة) منصوب على إسقاط الخافض والتقدير وهي شهادة العدل وشهادة غالب الظن في حال كون الشهادة كائنة به أي بسببه في المكان الذي لا يصح في العادة القطع فيه، ويجوز أن يكون غالب مبتدأ والظرف متعلق به، والشهادة مبتدأ ثان والمجرور خبره، والجملة خبر الأول والتقدير وغالب الظن في المكان الذي لا يصح القطع فيه الشهادة عاملة به كذلك أي مع القسم فيكون من عطف الجمل وليس فيه الفصل بأجنبي لأن الجملة خبر وهي معمولة للمبتدأ الذي تعلق به الظرف، ولك أن تجعل الظرف في هذا الوجه حالاً من المبتدأ الأول، وقوله: بحيث لا يصح أي كشهادة عدلين باعتبار المديان وضرر الزوجين والرشد وضده واستحقاق الملك وحصر الورثة وكون الزوج غاب وتركها بغير نفقة والتعديل والتعريف بالخط ونحو ذلك. قال في الفروق: مدارك العلم التي لا يستند إليها الشاهد أربعة: العقل وأحد الحواس الخمس والنقل المتواتر والاستدلال فتجوز الشهادة بما علم بأحد هذه الوجوه، ثُمَّ قال في الجواهر ما لا يثبت بالحس بل بقرائن الأحوال كالإعسار يدرك بالخبرة الباطنة بقرائن الصبر على الجوع والضرر يكفي فيه الظن القريب من اليقين (خ): واعتمد في إعسار بصحبته وقرينة صبر كضرر الزوجين إلخ.
وظاهر النظم أن هذه اليمين على البت لأنها الأصل لا على نفي العلم وهو كذلك، وإنما وجبت اليمين لأن الشهادة في ذلك إنما هي على نفي العلم فيقولون مثلاً: لا يعلمون له مالاً ظاهراً ولا يعلمون أنه رجع عن الإضرار بها إذ لا تتم الشهادة بالضرر إلا بزيادة ذلك، وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم، وأنه لا يعلم له وارثاً سوى من ذكر وأنه لم يترك لها نفقة في علمهم وأنه عدل لا يعلمونه انتقل عنها إلى غيرها، وقد يكون المشهود به على خلاف ذلك، فاستظهر على الباطن باليمين لكن يستثنى من ذلك حصر الورثة والترشيد وضده واستحقاق العقار والتعديل والتعريف بالمشهود له أو عليه فإنه لا يمين في ذلك وكذا الأب إن أثبت العسر لينفق عليه ابنه فإن جزموا بالشهادة فقالوا: لا مال له قطعاً أو لم يرجع عن الإضرار بها قطعاً أو لم يخرج عن ملكه قطعاً بطلت وإن أطلقوا ولم يقولوا قطعاً صحت من أهل العلم كما مرّ عند قوله: ومن يزكِّ فليقل عدل رضا. إلخ.
وبطلت من غيرهم إن تعذر سؤالهم كما يأتي قريباً وقولي: كشهادة عدلين احترازاً من شهادة عدل واحد بما ذكر فإنه لا يعمل به في العدم كما في ابن ناجي والترشيد وضده كما في ابن سلمون، وكذا في ضرر الزوجين لأنه يؤول إلى خيار الزوجة وكذا التعديل ويعمل به في الباقي لكن يحلف بيمينين إحداهما لتكميل النصاب والأخرى للاستظهار، ولا يجمعان وكلاهما على البت كما مرّ وظاهر قوله: غالب الظن أنه يعتمد الشاهد عليه لا أنه يصرح به عند الأداء. أو في الوثيقة: وإلاَّ لم تقبل قاله ابن عرفة وانظره مع ما للقرافي في الفرق الحادي والثلاثين والمائة من أن الشاهد إذا صرح بمستند علمه في الشهادة بالسماع المفيد للعلم أو بالظن في الفلس أو حصر الورثة، فلا يكون تصريحه قادحاً على الصحيح قال: وقول بعض الشافعية يقدح ليس له وجه فإن ما جوزه الشرع لا يكون النطق به منكراً. اهـ.
وانظر شرحنا للشامل عند قوله: واعتمد في إعسار الخ، وما ذكرناه من أن الشاهد يعتمد على ذلك فقط هو نظير ما مرّ في التعديل من أنه يعتمد فيه على طول عشرة الخ وهو صريح لفظ (خ) المتقدم أي: ولا يتوقف قبول شهادته على بيان مستند علمه في ذلك من طول العشرة في الحضر والسفر في التعديل والصبر على الجوع والبرد في الإعسار ونحو ذلك، وهو واضح إن كان الشاهد بذلك من أهل العلم وإلاَّ فلابد من سؤاله عن مستند علمه فإن تعذر سؤاله لموته أو غيبته سقطت. قال أبو العباس الملوي: وهو الذي جرت عليه الفتوى من فقهاء العصر حتى لا يستطاع صرفهم عنه، وهو الذي قال به اليزناسي كما في أحباس المعيار أنه المذهب معترضاً على ابن سهل بما يعلم بالوقوف عليه، وانظر (ح) عند نص (خ) المتقدم آنفاً، وانظر ما يأتي عن الوثائق المجموعة وغيرها عند قوله: وحيثما العقد لقاض ولى، إلخ.
وفي المسألة خلاف شهير فرجح الصباغ كما في أنكحة المعيار أن بيان مستند العلم إنما هو شرط كمال فقط، وهو مختار ابن سهل وعليه عول (خ) في الشركة حيث قال: ولو لم يشهد بالإقرار بها على الأصح. قلت: وعندي أن هذا خلاف في حال، فابن سهل ومن معه تكلم على ما علم من عدول وقتهم، وغالبهم علماء عارفون وغيره تكلم على ما غلب في بلده ووقته من الجهل بما تصح به الشهادة، وإلاَّ فكيف يقول منصف بقبول شهادة الجاهل مرسلة، ولذا اقتصر ابن فرحون في فصل مراتب الشهود على أن غير العالم بما تصح به الشهادة لابد من سؤاله عن مستند علمه ونحوه في الطرر والمعين والمتيطية، وكذا في الوكالات وبيع الوكيل من ابن سلمون ونقل ابن رحال في الارتفاق نحوه عن كثير، وذكر الفشتالي وابن سلمون صدر وثائقهما أن قول الموثق ممن يعرف الإيصاء لا يكفي حتى يقول بإشهاد من الموصى عليه إلا إذا كان من أهل العلم، وعلى أهل العلم يحمل قول ابن سلمون في الشهادات إذا قال الشاهد أشهدتني فلانة، ولم يقل أعرفها بالعين والاسم فهي شهادة تامة. اهـ.
وفي ابن عرفة أن الشاهد إذا لم يذكر معرفة ولا تعريفاً وتعذر سؤاله سقطت شهادته إن لم يكن من أهل العلم، وذكر في كتاب المأذون من المتيطية ما نصه: وليس لهم تلفيق الشهادة بأن يقولوا نشهد أنه مأذون له في التجارة ولا يفسرون الوجه الذي علموا به ذلك أي من أنه أذن له سيده بمحضرهم أو أقر بذلك لديهم قال: ومن التلفيق أن يشهدوا أن لفلان على فلان كذا وكذا ديناراً ولا يبينون وجه ذلك، بل لا تقبل حتى يقولوا أسلفه لدينا أو أقر بمحضرنا وإن كان الدين من بيع فسروا ذلك أيضاً فيقولون: باع منه بمحضرنا أو أقر بذلك لدينا. قال: وإنما لم تجز الشهادة إلا مع البيان لأن الشهود أكثرهم جهلة فقد يتوهمون أنه وجب من حيث لا يجب اه بخ. ونقله الفشتالي في باب القضاء مقتصراً عليه قائلاً فيجب بيان مستند العلم في جميع الأشياء من دين أو غيره لأن أكثر الشهود لا يفهم ما تصح به الشهادة. اهـ.
وقال اللخمي: إن الأربعة إذا شهدوا بالزنا وغابوا أو بعضهم قبل أن يسألوا عن كيفية الشهادة فإن الحد يقام إن كان الغائب عالماً بما يوجب الحد وإلاَّ سقط، وفي البرزلي عن المازري إن الشاهد إذا كان من أهل العدالة والمعرفة فلا يستفسر، ففهم منه إذا لم يكن كذلك استفسر. قال: ولم يكن الموثقون يستفسرون إلا في الحدود والزنا للحرص على الستر، فأنت ترى تعليلهم بكثرة الجهر وبه يتضح لك أن قول (خ) ولو لم يشهد بالإقرار بها إنما هو في العالم، والله أعلم.
تنبيه:
علم مما مرّ أن الشاهد إذا شهد بإقرار شخص لديه بدين لغيره مثلاً فالشهادة تامة اتفاقاً لأنه قد بين فيها مستند علمه وهو الإقرار لديه، فما في المعين عن بعض المتأخرين حسبما في التبصرة والحطاب مسلماً من أنه لا يؤاخذ بإقراره حتى يشهدوا بإقراره بالسلف أو المعاملة وهم ظاهر لأن الخلاف كما علمت في إرسال الشاهد شهادته لا في إرسال المقر إقراره لأنه مؤاخذ به، وإن لم يبين سببه بل لو بينه بما يوجب رفعه لم يقبل منه ولو نسقاً (خ): ولزم أن نوكر في ألف من ثمن خمر إلخ.
وأيضاً لو كان الحكم كما قال لم تصح الشهادة بالإقرار بشيء مع أنها صحيحة ويجبره على تفسيره، والله أعلم.